سورة الحجر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31)}
قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ. إِلَّا إِبْلِيسَ} فيه مسألتان: الأولى: لا شك أن إبليس كان مأمورا بالسجود، لقول: {ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} وإنما منعه من ذلك الاستكبار والاستعظام، كما تقدم في البقرة بيانه. ثم قيل: كان من الملائكة، فهو استثناء من الجنس.
وقال قوم: لم يكن من الملائكة، فهو استثناء منقطع. وقد مضى في {البقرة} هذا كله مستوفى.
وقال ابن عباس: الجان أبو الجن وليسوا شياطين. والشياطين ولد إبليس، لا يموتون إلا مع إبليس. والجن يموتون، ومنهم المؤمن ومنهم الكافر. فآدم أبو الانس. والجان أبو الجن. وإبليس أبو الشياطين، ذكره الماوردي. والذي تقدم في البقرة خلاف هذا، فتأمله هناك.
الثانية: الاستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعي، حتى لو قال: لفلان على دينار إلا ثوبا، أو عشرة أثواب إلا قفيز حنطة، وما جانس ذلك كان مقبولا، ولا يسقط عنه من المبلغ قيمة الثوب والحنطة. ويستوي في ذلك المكيلات والموزونات والمقدرات.
وقال مالك وأبو حنيفة رضي الله عنهما: استثناء المكيل من الموزون والموزون من المكيل جائز، حتى لو استثنى الدراهم من الحنطة والحنطة من الدراهم قبل. فأما إذا استثنى المقومات من المكيلات أو الموزونات، والمكيلات من المقومات، مثل أن يقول: على عشرة دنانير إلا ثوبا، أو عشرة أثواب إلا دينارا لا يصح الاستثناء، ويلزم المقر جميع المبلغ.
وقال محمد بن الحسن: الاستثناء من غير الجنس لا يصح، ويلزم المقر جملة ما أقر به. والدليل لقول الشافعي أن لفظ الاستثناء يستعمل في الجنس وغير الجنس، قال الله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً. إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً} فاستثنى السلام من جملة اللغو. ومثله {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} وإبليس من جملة الملائكة، قال الله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}.
وقال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس *** إلا اليعافير وإلا العيس
فاستثنى اليعافير وهي ذكور الظباء، والعيس وهى الجمال البيض من الأنيس، ومثله قول النابغة:
حلفت يمينا غير ذى مثنوية *** ولا علم إلا حسن ظن بصاحب


{قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ (35)}
قوله تعالى: {قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ} أي ما المانع لك. {أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} أي في ألا تكون. {قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} بين تكبره وحسده، وأنه خير منه، إذ هو من نار والنار تأكل الطين، كما تقدم في الأعراف بيانه. {قالَ فَاخْرُجْ مِنْها} أي من السموات، أو من جنة عدن، أو من جملة الملائكة. {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي مرجوم بالشهب.
وقيل: ملعون مشئوم. وقد تقدم هذا كله مستوفى في البقرة والأعراف. {وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ} أي لعنتي، كما في سورة ص.


{قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38)}
قوله تعالى: {قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} هذا السؤال من إبليس لم يكن عن ثقته منه بمنزلته عند الله تعالى، وأنه أهل أن يجاب له دعاء، ولكن سأل تأخير عذابه زيادة في بلائه، كفعل الآيس من السلامة. وأراد بسؤاله الإنظار إلى يوم يبعثون: ألا يموت، لان يوم البعث لا موت فيه ولا بعده. {قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} يعني من المؤجلين. قال ابن عباس: {أراد به النفخة الأولى}، أي حين تموت الخلائق.
وقيل: الوقت المعلوم الذي استأثر الله بعلمه، ويجهله إبليس. فيموت إبليس ثم يبعث، قال الله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ}. وفى كلام الله تعالى له قولان: أحدهما- كلمه على لسان رسوله.
الثاني- كلمه تغليظا في الوعيد لا على وجه التكرمة والتقريب.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12